الأخضر والأسود
أركضُ وأركضُ .. أصواتُ أقدامِ الجنودِ خلفي تماماً , لا بدَّ أنني كنتُ قريباً من سيّارةِ الدوريَّة أكثرَ ممَّا يلزمُ عندما قذفتُها بحجرٍ .. أتابعُ الجريَ و أرى أماميَ مباشرةً صديقيَ رامي .. إنـّهُ أسرعُ منـّي بكثيرٍ , وها هوَ يبتعدُ عنـّي مسافةً طويلةً .
جسديَ الـمُرمى على الأرضِ وقدْ حجبَ رأسُ أحدِهم الشمسَ عنّي , وانهالَ آخرُ عليَّ يشتمني بالعبريـّةِ ,بينما قامَ ثالثٌ برفسي على كاملِ وجهيَ بحذائـِهِ العسكريّ الصلبِ ثمَّ انتشلني عن الأرضِ ممسكاً بثيابي بيدٍ واحدةٍ كمنْ أرادَ أنْ يستعرضَ عضلاتِهِ أمامَ حشدٍ منَ الجمهورِ.
جرُّوني إلى السيّارةِ أحياناً وقاموا بدفعي أحياناً أُخرى , وما إنْ وصلتُ خلفَ السيّارةِ المنتظرةِ في الشارعِ المجاورِ حتَّى عادَ صاحبُ العضلاتِ إلى الإمساكِ بسترتي وقذفني إلى داخلها, وهناكَ جاءَ السائقُ وقيَّدَ يديَّ إلى حلقةٍ متدلّيةٍ منْ سقفها ..
" دعوهُ ! إنـَّهُ مجردُ طفلٍ ! "
لكنّهُ سرعانَ ما تلقـَّى دفعةً منْ أحدهم وسيلاً منَ الشتائمِ منْ آخر..
هذهِ هيَ حالُ الصهاينةِ! لا يحترمونَ شيخاً مسنـَّاً ولا امرأةً ولا طفلاً! جميعنا أعداءٌ لهم
سمعتُ الجنديَّ الجالسَ إلى جانبِ السائقِ يتحدَّثُ عبرَ الجهازِ اللاسلكيّ :
- " اصطدنا أربعةَ كلابٍ . "
ممزوجةً بلعابِهِ :
- " بلْ قلْ أربعةَ سباعٍ !! "
وما كادَ ينهي جملتَهُ حتَّى تلقَّى ضربةً بأخمصِ بندقيَّةِ الجنديّ الواقفِ خلفَ العربةِ أفقدتْهُ الوعيَ فسقطَ رأسُهُ متدلّـياً بينَ ذراعيهِ المعلقتين إلى سقفِ السيّارةِ التي انطلقتْ بنا فجأةً بعدَ أنْ اشتدَّ هطولُ الحجارةِ عليها متوجّهةً إلى شارعٍ هادئٍ حيثُ توقفتْ ونزلَ السائقُ منها ليعصبَ أعيُنَنا قبلَ أن يعاودَ الانطلاقَ منْ جديدٍ .
كنتُ قدْ أمعنتُ النظرَ إلى الحجيرةِ التي رُبطنا إلى سقفها كذبائحِ المسلخِ.. يبدو أنَّ مثلَ هذهِ السياراتِ قد خُصّصتْ للاعتقالِ , فالبابُ لا يفتحُ إلاّ منَ الخارجِ , وهناكَ شبكٌ فولاذيٌّ يفصلُ حجيرتَنا عنِ الكرسيّين الأماميّين , ناهيكَ عنْ هذهِ الحلقاتِ اللعينةِ التي تثبـّتُ الأصفادَ إلى السقفِ ..
توقفتِ السيارةُ وفُتحَ البابُ الخلفيُّ , وأحسستُ بيدينِ تحررانِ يديَّ منْ حلقةِ التثبيتِ وتعيدانِ تكبيلَهما خلفَ ظهري . ثمَّ سمعتُ صوتاً يأمرُ بالنزولِ , ولمّا لـمْ أنتبهْ إلى أنَّ هذا الأمرَ كانَ موجّهاً إليَّ تحديداً وتقاعستُ عنِ التنفيذِ أحسستُ بآلافِ الأيادي التي تشبهُ الخطّافاتِ تنتزعُني منْ على المقعدِ وترميني خارجاً فأسقطُ أرضاً وأتلقّى عدّةَ رفساتٍ على الظهرِ والرأسِ , أفقدُ الوعيَ على أثرِها لفترةٍ أجهلُ كَمِ امتدَّتْ ..
أصحو لأجدَ نفسيَ مقيّداً على كرسيٍّ والعصابةُ لازالتْ مثبّتةً فوقَ عينيّ , وصوتٌ يسألني بالعبريَّةِ:
- " ما اسمُكَ ؟ "
أُجيبُ بالعربيّةِ :
- " اسمي رعد محمّد الأحمد ."
- " أَجِبْ بالعبريّة ! كمْ عمركَ ؟ "
أُجيبُ بالعربيّةِ :
- " اثنتا عشرةَ سنةً . "
أتلقّى صفعةً على الخدِّّ الأيسرِ .. ثم ذاكَ الصوتُ منْ جديدٍ :
- " قلتُ أَجبْ بالعبريّةِ ! .. لحسابِ منْ تعملُ ؟ "
أُجيبُ بالعربيّةِ :
يكرّرُ سؤالَهُ فأكرّرُ الإجابةَ ذاتها فيقولُ منفعلاً :
- " لكنّكَ أجبتَ عندما سألتُكَ , هذا يعني أنّكَ تتقنُ العبريّةَ."
- " أنا أفهمُ بعضاً منَ العبريّةِ لكننّي لا أستطيعُ التحدثَ بها ! "
يقولُ بالعربيّةِ وقدْ هدأتْ نبرتُـهُ :
- " حسناً , لقدْ سألتُكَ : في أيَّةِ جماعةٍ تعملُ ؟ "
- " لا أنتمي إلى أيـّةِ جماعةٍ , لقدْ كنتُ اليومَ عائداً منَ المدرسةِ فصادفتُ الاشتباكاتِ تحدثُ في الشارعِ .. "
يقاطعني قائلاً :
- " وسرعانَ ما أمسكتَ بالحجارةِ وقذفتَ بها دوريـَّتنا ! أليسَ كذلكَ ؟ "
- " نعم , هذا ما حدثَ تماماً ."
أركضُ وأركضُ .. أصواتُ أقدامِ الجنودِ خلفي تماماً , لا بدَّ أنني كنتُ قريباً من سيّارةِ الدوريَّة أكثرَ ممَّا يلزمُ عندما قذفتُها بحجرٍ .. أتابعُ الجريَ و أرى أماميَ مباشرةً صديقيَ رامي .. إنـّهُ أسرعُ منـّي بكثيرٍ , وها هوَ يبتعدُ عنـّي مسافةً طويلةً .
جسديَ الـمُرمى على الأرضِ وقدْ حجبَ رأسُ أحدِهم الشمسَ عنّي , وانهالَ آخرُ عليَّ يشتمني بالعبريـّةِ ,بينما قامَ ثالثٌ برفسي على كاملِ وجهيَ بحذائـِهِ العسكريّ الصلبِ ثمَّ انتشلني عن الأرضِ ممسكاً بثيابي بيدٍ واحدةٍ كمنْ أرادَ أنْ يستعرضَ عضلاتِهِ أمامَ حشدٍ منَ الجمهورِ.
جرُّوني إلى السيّارةِ أحياناً وقاموا بدفعي أحياناً أُخرى , وما إنْ وصلتُ خلفَ السيّارةِ المنتظرةِ في الشارعِ المجاورِ حتَّى عادَ صاحبُ العضلاتِ إلى الإمساكِ بسترتي وقذفني إلى داخلها, وهناكَ جاءَ السائقُ وقيَّدَ يديَّ إلى حلقةٍ متدلّيةٍ منْ سقفها ..
" دعوهُ ! إنـَّهُ مجردُ طفلٍ ! "
لكنّهُ سرعانَ ما تلقـَّى دفعةً منْ أحدهم وسيلاً منَ الشتائمِ منْ آخر..
هذهِ هيَ حالُ الصهاينةِ! لا يحترمونَ شيخاً مسنـَّاً ولا امرأةً ولا طفلاً! جميعنا أعداءٌ لهم
سمعتُ الجنديَّ الجالسَ إلى جانبِ السائقِ يتحدَّثُ عبرَ الجهازِ اللاسلكيّ :
- " اصطدنا أربعةَ كلابٍ . "
ممزوجةً بلعابِهِ :
- " بلْ قلْ أربعةَ سباعٍ !! "
وما كادَ ينهي جملتَهُ حتَّى تلقَّى ضربةً بأخمصِ بندقيَّةِ الجنديّ الواقفِ خلفَ العربةِ أفقدتْهُ الوعيَ فسقطَ رأسُهُ متدلّـياً بينَ ذراعيهِ المعلقتين إلى سقفِ السيّارةِ التي انطلقتْ بنا فجأةً بعدَ أنْ اشتدَّ هطولُ الحجارةِ عليها متوجّهةً إلى شارعٍ هادئٍ حيثُ توقفتْ ونزلَ السائقُ منها ليعصبَ أعيُنَنا قبلَ أن يعاودَ الانطلاقَ منْ جديدٍ .
كنتُ قدْ أمعنتُ النظرَ إلى الحجيرةِ التي رُبطنا إلى سقفها كذبائحِ المسلخِ.. يبدو أنَّ مثلَ هذهِ السياراتِ قد خُصّصتْ للاعتقالِ , فالبابُ لا يفتحُ إلاّ منَ الخارجِ , وهناكَ شبكٌ فولاذيٌّ يفصلُ حجيرتَنا عنِ الكرسيّين الأماميّين , ناهيكَ عنْ هذهِ الحلقاتِ اللعينةِ التي تثبـّتُ الأصفادَ إلى السقفِ ..
توقفتِ السيارةُ وفُتحَ البابُ الخلفيُّ , وأحسستُ بيدينِ تحررانِ يديَّ منْ حلقةِ التثبيتِ وتعيدانِ تكبيلَهما خلفَ ظهري . ثمَّ سمعتُ صوتاً يأمرُ بالنزولِ , ولمّا لـمْ أنتبهْ إلى أنَّ هذا الأمرَ كانَ موجّهاً إليَّ تحديداً وتقاعستُ عنِ التنفيذِ أحسستُ بآلافِ الأيادي التي تشبهُ الخطّافاتِ تنتزعُني منْ على المقعدِ وترميني خارجاً فأسقطُ أرضاً وأتلقّى عدّةَ رفساتٍ على الظهرِ والرأسِ , أفقدُ الوعيَ على أثرِها لفترةٍ أجهلُ كَمِ امتدَّتْ ..
أصحو لأجدَ نفسيَ مقيّداً على كرسيٍّ والعصابةُ لازالتْ مثبّتةً فوقَ عينيّ , وصوتٌ يسألني بالعبريَّةِ:
- " ما اسمُكَ ؟ "
أُجيبُ بالعربيّةِ :
- " اسمي رعد محمّد الأحمد ."
- " أَجِبْ بالعبريّة ! كمْ عمركَ ؟ "
أُجيبُ بالعربيّةِ :
- " اثنتا عشرةَ سنةً . "
أتلقّى صفعةً على الخدِّّ الأيسرِ .. ثم ذاكَ الصوتُ منْ جديدٍ :
- " قلتُ أَجبْ بالعبريّةِ ! .. لحسابِ منْ تعملُ ؟ "
أُجيبُ بالعربيّةِ :
يكرّرُ سؤالَهُ فأكرّرُ الإجابةَ ذاتها فيقولُ منفعلاً :
- " لكنّكَ أجبتَ عندما سألتُكَ , هذا يعني أنّكَ تتقنُ العبريّةَ."
- " أنا أفهمُ بعضاً منَ العبريّةِ لكننّي لا أستطيعُ التحدثَ بها ! "
يقولُ بالعربيّةِ وقدْ هدأتْ نبرتُـهُ :
- " حسناً , لقدْ سألتُكَ : في أيَّةِ جماعةٍ تعملُ ؟ "
- " لا أنتمي إلى أيـّةِ جماعةٍ , لقدْ كنتُ اليومَ عائداً منَ المدرسةِ فصادفتُ الاشتباكاتِ تحدثُ في الشارعِ .. "
يقاطعني قائلاً :
- " وسرعانَ ما أمسكتَ بالحجارةِ وقذفتَ بها دوريـَّتنا ! أليسَ كذلكَ ؟ "
- " نعم , هذا ما حدثَ تماماً ."